سفر الحكمة
سليمان الحكيم
يأخذ هذا السفر مكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان الحكيم. وهو مكون من 9 أصحاحات كلها تفيض بأحاديث حكيمة عميقة المعانى الروحانية. وقد ورد هذا السفر ضمن أسفار التوراة فى النسخة السبعينية المترجمة إلى اليونانية. وبرغم اعتراض البروتستانت على قانونية هذا السفر وباقى اسفار المجموعة الثانية التى جمعت بعد عزرا الكاهن، ولكنهم كتبوا يمتدحونة بسبب بلاغتة وسمو معانية. فقد ورد على لسان الدكتور سمعان كهلون فى كتابه (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303 و305) قوله: "والبعض الآخر كسفر الحكمة وحكمة يشوع بن سيراخ، فهو على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعانى الروحية". وكذا قوله أيضاً على سفر الحكمة "هذا السفر هو أجمل هذه الأسفار. وقد كُتِبَ بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية. ويرجح أن كاتبه يهودى مصرى عاش بين عامى 15 و50 قبل الميلاد وكان متضلعاً من الفلسفة اليونانية. وقصد مقاومة أغلاظ الوثنية ولاسيما عبادة الأصنام بإظهاره سمو الحكمة المنبعثة عن خوف الله وحفظ شريعتة ومعرفة طريقة للخلاص".
ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتب هذا السفر. فقال بعضهم إنه يونانى أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية. وحجتهم فى هذا أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة. ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية الى اليونانية فى النسخة السبعينية المعروفة، غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:
1- إن أسلوب السفر يتخذ نفس النهج الحكمي الذى كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاة الحكمى الشعري.
2- إن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانه بعد سفرنشيد الاناشيد لسليمان مباشرة.
3- وثمة دليل آخر على سليمان هو كاتب سفر الحكمة وهو ما ورد في السفر على لسان كاتبه منطبقاً على سليمان قوله: "إنك قد اخترتني لشعبك ملكاً ولبنيك وبناتك قاضياً. وأمرتنى أن أبنى هيكلاً فى جبل قدسك ومذبحاً فى مدينة سُكناك، على مثال المسكن المقدس الذى هيأته منذ البدء. إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم، وهي عارفة ما المرضى فى عينيك والمستقيم فى وصاياك. فإرسلها من السموات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تَجِدُّ معي، واعلم ما المرضي لديك؛ فانها تعلم وتفهم كل شيء، فتكون لي في افعالي مرشداً فطيناً، وبعزَّها تحفظني، فتغدو اعمالي مقبولة وأحكم لشعبك بالعدل واكون اهلاً لعرش أبي" (حك7:9-12). وواضِح أن هذا الكلام كله لا يناسِب إلا سليمان وحده دون غيره.
وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم: إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراه أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟ والرد على هذا الإعتراض هو أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير. فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهماً كثيراً وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)، بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة. وقد قيل عن سليمان أيضاً أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً. وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط. وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)، فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت.